Home رئيسية المحاماة مهنة النبلاء والضمير الحي، لا موطئ فيها للنصب والإغراء

المحاماة مهنة النبلاء والضمير الحي، لا موطئ فيها للنصب والإغراء

9
0

تُعدّ مهنة المحاماة من أسمى المهن القانونية والإنسانية، لأنها تقوم على الدفاع عن الحقوق، ونصرة المظلوم، وتحقيق العدالة في إطار ما تسمح به القوانين. إنها ليست مجرد وظيفة تمتهن لكسب الرزق فحسب، بل رسالة أخلاقية وفكرية تتطلب سموًّا في السلوك، ونبلًا في التعامل، وضميرًا يقظًا لا يُخدَر أمام الإغراء أو الانحراف.

فمنذ نشأتها، ارتبطت المحاماة بالعلماء، والمثقفين، والمصلحين، وأصحاب الفكر الحر، لأنها تتطلب الإلمام العميق بالقانون، والفهم الواسع للمجتمع، والقدرة على الحجاج، والإقناع، والدفاع عن القيم والمبادئ. وقد كان من أبرز رواد هذه المهنة فلاسفة ومفكرون ساهموا في تطوير الفكر القانوني والحقوقي، وكرّسوا حياتهم لخدمة العدالة.

إن ما يلاحظ في بعض الأوساط اليوم من سلوكات شاذة وممارسات تُسيء إلى سمعة المحاماة، كاستغلال المهنة للإغراء أو التقرّب من مواقع النفوذ، أو التلاعب بمشاعر المتقاضين، لا يجب أن يُنسب إلى المهنة في ذاتها، بل إلى من أساؤوا تمثيلها من داخلها. فهؤلاء ليسوا سوى استثناءات لا تمثل الجوهر الحقيقي للمحاماة، بل تُمثل انحرافًا عن المسار الأخلاقي والمهني الذي وُجدت المهنة لأجله.

من جهة أخرى، تفرض المحاماة على من يمتهنها أن يتحلى بضمير يقظ، وعدالة داخلية، وشعور إنساني عميق تجاه معاناة الآخر. فالمحامي الحقّ لا يرى في قضيته مجرد ملف، بل حياة إنسانية ترتبط بها مصائر، وآمال، ومشاعر. لذلك، فإن من لا يملك ضميرًا حيًّا، ولا يحترم قدسية المهنة، يفتقر إلى أهم ما يؤهله لحمل لقب “محامٍ”.

وفي سبيل حماية هذه المهنة النبيلة، وجب على المؤسسات المهنية والهيئات القضائية والجامعية أن تلعب دورها في التأطير والتكوين والمراقبة، لترسيخ ثقافة أخلاقيات المهنة، ومحاربة كل مظاهر الابتذال أو التربح غير المشروع، أو محاولة تحويل المهنة إلى وسيلة للظهور الاجتماعي أو الارتزاق من مآسي الناس.

في الختام، تبقى المحاماة، رغم كل التحديات، مهنة النبلاء والمثقفين، مهنة من يحمل في قلبه عدالة، وفي عقله فكرًا، وفي سلوكه نزاهة. هي أمانة لا يستحقها إلا من احترمها، وخدمها بضمير حي، وساهم من خلالها في بناء مجتمع يسوده القانون، وتعلو فيه كلمة الحق.

اترك ردا

Please enter your comment!
الرجاء إدخال اسمك هنا