Home الجزائر جريمة التسوّل في الجزائر الأسباب، النتائج، الإطار القانوني والحلول

جريمة التسوّل في الجزائر الأسباب، النتائج، الإطار القانوني والحلول

7
0

أولًا: تمهيد وتعريف

يُعرّف التسوّل بأنه طلب المساعدة أو المال من الغير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الطرقات أو الأماكن العامة، دون وجه حقّ أو مسوّغ قانوني.

وتُعدّ هذه الظاهرة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تمسّ صورة المجتمع، وتؤثر على أمنه واستقراره، خاصة عندما تتحوّل إلى نشاط منظم تمارسه شبكات تستغلّ الفئات الهشّة مثل الأطفال والنساء.

في الجزائر، لوحظ في السنوات الأخيرة انتشار ظاهرة التسوّل في المدن الكبرى، خاصة أمام المساجد، والمراكز التجارية، والمستشفيات، وهو ما دفع السلطات إلى تعزيز الترسانة القانونية لمكافحتها.

ثانيًا: أسباب انتشار التسوّل

1. الأسباب الاقتصادية والاجتماعية

الفقر والبطالة: ارتفاع معدلات البطالة، وضعف الدخل الشهري للأسر الفقيرة، يدفع بعض الأفراد إلى اللجوء للتسوّل كمصدر للعيش.

غياب آليات فعالة للتكفل الاجتماعي: رغم وجود برامج دعم اجتماعي، فإن عدم شمولها لجميع الفئات الهشة يؤدي إلى ترك بعض الأشخاص دون مورد.

2. الأسباب الأسرية والنفسية

التفكك الأسري، العنف المنزلي، أو فقدان أحد الأبوين يؤدي إلى هشاشة الأطفال، مما يجعلهم عرضة للاستغلال.

اضطرابات نفسية أو إدمان تجعل بعض الأفراد غير قادرين على الاندماج في سوق العمل.

3. الأسباب الإجرامية

شبكات منظمة تقوم بتجنيد الأطفال والنساء وكبار السن للتسوّل مقابل نسبة من العائد اليومي.

صعوبة مراقبة هذه الشبكات بسبب الطابع الإنساني الظاهري للتسوّل.

ثالثًا: النتائج والآثار على المجتمع

1. المساس بصورة المجتمع: انتشار المتسوّلين يعطي انطباعًا سلبيًا عن الوضع الاجتماعي العام.

2. تهديد الأمن العام: بعض المتسوّلين يمارسون السرقة أو الاحتيال تحت غطاء التسوّل.

3. استغلال الأطفال: وهو ما يشكل انتهاكًا خطيرًا لحقوق الطفل، ويؤدي إلى تكوين جيل من المنحرفين والمهمّشين.

4. عرقلة الحياة العامة: تمركز المتسوّلين أمام المؤسسات والمساجد يخلق نوعًا من الفوضى ويؤثر على النظام العام.

رابعًا: الإطار القانوني لمكافحة جريمة التسوّل في الجزائر

1. قانون العقوبات الجزائري (الأمر 66-156 المعدل والمتمم)

المادة 195: «كل من عُرف عنه التسوّل في الطريق العام أو في مكان مفتوح للجمهور، يُعاقب بالحبس من ثلاثة (03) أشهر إلى سنتين وبغرامة من 500 إلى 3.000 دج.»

يعاقب القانون أيضًا الأشخاص الذين يستغلون القصر أو العاجزين في التسوّل بعقوبات أشد.

المادة 197: «كل من استعمل قاصرًا أو عاجزًا للتسوّل يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية، وتضاعف العقوبة إذا كان الفاعل أحد الأصول أو الوصي أو الكفيل أو من له سلطة على الضحية.»

المادة 198: «كل من أعطى أو سلم عمدًا أموالاً أو منافع لشخص يعلم أنه يستغل الغير في التسوّل، يعاقب هو الآخر.»

 هذه المواد تُظهر بوضوح أن الهدف الأساسي للمشرّع ليس فقط معاقبة المتسوّل، بل أيضًا تفكيك الشبكات التي تستغلّ الضعفاء وتُحوّل التسوّل إلى تجارة مربحة.

خامسًا: الحلول المقترحة للقضاء على الظاهرة

1. الحلول الاجتماعية والاقتصادية

توسيع برامج الدعم الاجتماعي لتشمل الفئات الهشة والمهمّشة.

تحسين فرص التشغيل وتسهيل الاندماج المهني للأشخاص في وضعية هشاشة.

تقديم مساعدات مباشرة للعائلات المحتاجة مع مراقبة صرفها لتجنّب الانحراف.

2. الحلول الأمنية والقانونية

تشديد الرقابة على أماكن تمركز المتسوّلين، خصوصًا في المواسم الدينية.

ملاحقة الشبكات التي تستغل النساء والأطفال في التسوّل.

تفعيل المواد القانونية المذكورة أعلاه بشكل عملي ومستمر.

3. الحلول التربوية والتوعوية

حملات تحسيسية للمجتمع بعدم تشجيع المتسوّلين عبر تقديم المال المباشر.

تشجيع التبرع عبر قنوات رسمية (جمعيات معتمدة، الهلال الأحمر، صناديق الزكاة).

التكفل بالأطفال المتسوّلين عبر مراكز الإيواء وإعادة الإدماج الاجتماعي.

سادسًا: التوصيات الختامية

1. ضرورة التنسيق بين الأجهزة الأمنية والاجتماعية والقضائية لضمان مقاربة شاملة.

2. إنشاء قاعدة بيانات وطنية لحصر الأشخاص في وضعية تسوّل.

3. تعزيز دور المجتمع المدني في التكفل بالفئات الهشة.

4. تحسين مستوى الردع القانوني مع توفير بدائل إنسانية حقيقية.

5. تجريم المستغلين بدل التركيز فقط على المتسوّلين أنفسهم.

خلاصة

تُعدّ ظاهرة التسوّل في الجزائر من المظاهر الاجتماعية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي والأمني. وقد أقرّ المشرّع الجزائري نصوصًا واضحة في قانون العقوبات (المواد 195 إلى 198) لتجريمها، خاصة عندما تكون مُنظَّمة أو تُستغل فيها الفئات الهشة.

لكن القضاء عليها لا يمكن أن يتحقق فقط بالردع القانوني، بل يتطلب مقاربة شاملة تجمع بين:

الردع القانوني

التكفل الاجتماعي

التحسيس والتوعية

الضرب بيد من حديد على الشبكات المنظمة.

اترك ردا

Please enter your comment!
الرجاء إدخال اسمك هنا