العنف كظاهرة اجتماعية رقمية متنامية
شهدت الجزائر، على غرار العديد من الدول، تصاعدًا مقلقًا في ظاهرة تمجيد الجريمة والعنف على شبكات التواصل الاجتماعي. إذ أصبحت بعض الصفحات والحسابات الإلكترونية تروّج لحمل السلاح الأبيض، وتُمجّد الجانحين والسجناء، وتحوّل المجرم إلى “بطل شعبي” في نظر بعض الشباب. هذه الظاهرة، وإن بدت رقمية في ظاهرها، إلا أنها تشكّل خطرًا مباشرًا على الأمن العام وتهدد السلم الاجتماعي.
أولاً: الخطر الأمني والاجتماعي لتمجيد الجريمة
1. تشجيع الانحراف لدى فئة الشباب: عندما يرى المراهق أن السلوك الإجرامي يُقدَّم على أنه “بطولة” أو “رجولة”، قد ينجذب إليه ويعتبره نموذجًا يُحتذى به.
2. تطبيع ثقافة العنف: مع تكرار هذه الصور والمقاطع، تصبح مشاهد العنف أمرًا عاديًا ومألوفًا، مما يؤدي إلى ضعف الحس القانوني والأخلاقي.
3. إضعاف سلطة القانون: ترويج صور السلاح الأبيض والاعتداءات يُرسل رسالة ضمنية مفادها أن الخارج عن القانون يمكن أن يُمجد بدلاً من أن يُدان.
4. تهديد الأمن العمومي: انتشار هذه السلوكات يؤدي إلى زيادة حالات العنف الحضري، وارتفاع معدلات الجريمة في الأحياء الشعبية.
ثانياً: دور الأجهزة الأمنية في الردع والاستباق
إن الرد الأمني الصارم ضروري، لكنه لا يكفي وحده، بل يجب أن يكون ضمن رؤية شاملة. وتشمل الإجراءات الممكنة:
تشديد المراقبة الميدانية في الأحياء المعروفة بنشاط العصابات ومنع حمل السلاح الأبيض وتجريمه بصرامة.
تفعيل الوحدات المختصة في مكافحة الجريمة الإلكترونية لرصد الحسابات التي تحرض على العنف أو تمجده.
الردع القانوني السريع من خلال توقيف المتورطين وتقديمهم للعدالة، بما يعطي رسالة واضحة للمجتمع بأن الدولة لا تتسامح مع هذه الظاهرة.
العمل الاستباقي عبر تفكيك شبكات الترويج الإجرامي قبل أن تتحول إلى خلايا منظمة على الأرض.
ثالثاً: دور القضاء والتشريعات الوطنية
يمتلك القضاء الجزائري ترسانة من النصوص القانونية التي يمكن تفعيلها في مواجهة هذه الظاهرة، منها:
قانون العقوبات الذي يجرّم التحريض على العنف وحمل السلاح.
القانون المتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية (قانون 20-05 لسنة 2020) الذي يجرّم نشر أو ترويج المحتوى العنيف أو المحرض على ارتكاب جرائم.
توسيع نطاق المسؤولية القانونية لتشمل ليس فقط مرتكب الجريمة، بل أيضًا كل من يروّج لها أو يمجّدها أو يُسهّل نشرها إلكترونيًا.
ومن المهم أن تكون الأحكام القضائية صارمة وسريعة لإرسال رسالة رادعة، مع احترام الإجراءات القانونية وضمان المحاكمة العادلة.
رابعاً: الوعي المجتمعي… السلاح الأقوى ضد العصابات
الرد الأمني والقضائي لا ينجح ما لم يرافقه وعي مجتمعي قوي. لذلك، من الضروري:
إطلاق حملات توعية وطنية تستهدف الشباب والمراهقين، تشرح خطورة هذه الظاهرة وتُبرز العواقب القانونية والاجتماعية.
إشراك الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني في بناء ثقافة التبليغ وعدم التواطؤ أو الصمت أمام الانحراف.
تشجيع المواطنين على التبليغ السري عن العصابات والمروّجين للعنف.
تقديم نماذج إيجابية للشباب تُبرز قيمة القانون والانضباط بدل تمجيد الخارجين عنه.
خامساً: بناء استراتيجية وطنية شاملة
لمواجهة هذه الظاهرة بفعالية، يُقترح:
1. إنشاء منصة وطنية لرصد المحتوى المحرض على العنف وإزالته بالتنسيق مع شركات التواصل الاجتماعي.
2. تفعيل لجان مشتركة بين الأمن، القضاء، ووزارات التربية والشباب لوضع خطة متكاملة.
3. تحديث المناهج التربوية لتعزيز التربية على المواطنة والاحترام المتبادل.
4. دعم مبادرات الشباب الإيجابية في الأحياء الشعبية كبديل عن ثقافة العصابات.
ظاهرة تمجيد العنف والعصابات ليست مجرد انحرافات فردية، بل تهديد للأمن الوطني والسلم الاجتماعي. لذا، فإن تفعيل دور الأمن والقضاء، إلى جانب ترسيخ ثقافة الوعي والتبليغ، هو السبيل الأنجع لتجفيف منابع هذه الظاهرة.
إننا نطالب السلطات الأمنية والقضائية الجزائرية باتخاذ إجراءات صارمة وعاجلة ضد كل من يحرض على العنف أو يمجّد الجريمة، وبموازاة ذلك، نناشد المجتمع بكل مكوناته أن يكون شريكًا فاعلًا في محاربة هذه الظاهرة.







