Home أخبار عاجلة بين الاستقلال والانضباط… مشروع القانون الأساسي للقضاء يوسّع الحقوق ويشدد القيود

بين الاستقلال والانضباط… مشروع القانون الأساسي للقضاء يوسّع الحقوق ويشدد القيود

75
0

جاء مشروع القانون الأساسي الجديد للقضاة محمّلًا بجملة من الحقوق المهنية والمادية التي تعزّز مكانة القاضي وتدعم استقلاليته، غير أنّه حافظ بالمقابل على القيود التقليدية المفروضة على ممارسة الحقوق النقابية والسياسية، بل ووسع من نطاق الضوابط المرتبطة بالسلوك المهني واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي.

ومن المنتظر أن يشكل المشروع محور جدل واسع داخل الأسرة القضائية والأوساط القانونية بالنظر إلى حساسية التوازن بين ضمان الاستقلال الوظيفي من جهة، والحفاظ على الانضباط المؤسسي من جهة أخرى.

الحق النقابي… مع الاعتراف المقيَّد

رغم اعتراف المشروع بالحق النقابي للقضاة، إلا أنّه أبقى على الحظر الصريح للإضراب أو الدعوة إليه، مع اعتبار مخالفته إهمالًا للمنصب يُرتّب متابعة تأديبية وجزائية (المادة32)، وهو ما ينسجم مع النصوص المنظمة لحق الإضراب التي صنّفت القضاة ضمن الفئات الممنوعة من ممارسته.

السياسة… منطقة محظورة تمامًا

يشدد المشروع على منع القاضي من أي نشاط سياسي أو حزبي أو تولي عهدة انتخابية، مقابل عقوبات مشددة عند المخالفة (و35)، كما فرض إخطار المجلس الأعلى للقضاء قبل الانخراط في أي جمعية بدل الإجراءات السابقة.

سوابق تأديبية مُوسّعة

وسع النص مفهوم الخطأ المهني ليشمل كل تقصير يعطل سير العدالة مثل الامتناع عن العمل، إهمال المنصب، والأعمال الجماعية التي تشلّ المرفق القضائي. وأدخل النقل الإجباري ضمن العقوبات، وحدد سقف الاقتطاع من الراتب أثناء التوقيف بـ50%، كما ربط الترقية بصدور رد الاعتبار بعد آجال محددة تتراوح بين سنة وأربع سنوات وفق خطورة العقوبة.

تحسين الوضع المادي والمهني للقضاة

أكد المشروع على مرتب يضمن كرامة القاضي وتعويضات مرتبطة بطبيعة الوظائف القضائية العليا والأقطاب المتخصصة، إضافة إلى تسهيلات في الحصول على السكن. كما أبقى على سن التقاعد بـ60 سنة (و55 للقاضيات بطلبهن) مع فتح إمكان التمديد إلى 70 سنة لقضاة المحكمة العليا ومجلس الدولة، غير أنّ سلطة اقتراح التمديد أصبحت بيد وزير العدل.

هيكلة جديدة لمناصب القضاء

استحدث المشروع مناصب لم تكن موجودة من قبل مثل:

• رئيس قطب قضائي

• وكيل جمهورية لدى قطب قضائي

كما تم إلغاء مناصب أخرى على غرار قاضي العرائض.

تشديد معايير الكفاءة والنزاهة

رفع النص شروط التعيين الاستثنائي لحاملي الدكتوراه في القانون، واشترط خبرة لا تقل عن 15 سنة، مع إقصاء تخصصات أخرى كانت مقبولة سابقًا. كما فرض قيودًا لمنع تضارب المصالح، خصوصًا عند وجود أقارب للمستوى الثاني يمارسون مهنة المحاماة في نفس الإقليم القضائي.

ضبط ورقابة على الحضور الافتراضي للقضاة

شدد المشروع على واجب التحفظ (المادة26)، ومنع القضاة من استعمال شبكات التواصل الاجتماعي لمناقشة الملفات القضائية أو ما يمسّ بهيبة الجهاز القضائي (المادة27). كما أُلزم المسؤولون القضائيون بتحسيس القضاة بمخاطر الاستخدام غير المسؤول للوسائط الرقمية.

التزامات مهنية صارمة

أوجب المشروع على القاضي:

• احترام آجال الفصل في القضايا (المادة30)

• الحفاظ على سرية المداولات (المادة31)

• الاجتهاد في التكوين المستمر (المادة33)

وجاء في عرض الأسباب أنّ التعديلات تهدف إلى “تجسيد الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية” من خلال تعزيز دور المجلس الأعلى للقضاء في ضبط المسار المهني للقاضي. غير أنّ النقاش يبقى مفتوحًا حول مدى نجاح النص في إيجاد المعادلة الصعبة بين الاستقلال القضائي الحقيقي والرقابة التأديبية، وبين الامتيازات الجديدة والقيود الصارمة المفروضة على النشاط النقابي والسياسي والرقمي في مرحلة مفصلية من إصلاح العدالة بالجزائر

اترك ردا

Please enter your comment!
الرجاء إدخال اسمك هنا