تُعد السياسة العقابية إحدى الركائز الأساسية لأي منظومة عدلية تسعى إلى تحقيق الردع العام والخاص، وضمان الأمن والاستقرار داخل المجتمع. غير أن واقع الجريمة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة يُظهر بوضوح أن العقوبات الحالية لم تعد تحقق الأثر المطلوب، خاصة أمام تصاعد بعض أشكال الإجرام الخطيرة، التي باتت تهدد أمن المواطن وسكينته اليومية.
السجن ليس للراحة بل للإصلاح والردع
لقد أُنشئت السجون في الأصل لتكون فضاءً للإصلاح والعقاب معًا، لكن الممارسة اليومية أفرزت واقعًا مغايرًا، حيث تحوّلت بعض المؤسسات العقابية إلى أماكن مريحة للمحكومين، تتوفر فيها أنشطة بدنية وترفيهية، دون أن يشعر الجاني بوقع العقوبة على نحو يحقق الردع المطلوب. إن هذا الوضع يفرغ العقوبة السجنية من مضمونها الردعي ويشجع فئات إجرامية على تكرار أفعالها دون خوف من العقاب.
ضرورة إدراج الأشغال الشاقة في المنظومة العقابية
استنادًا إلى مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة، فإن إدراج عقوبة الأشغال الشاقة في قانون العقوبات الجزائري لفئات محددة من المجرمين، خاصة مرتكبي الجرائم الخطيرة والمتكررة، يمكن أن يشكل وسيلة فعالة لتحقيق الردع وإعطاء السجن وظيفة إصلاحية حقيقية.
ويجب أن تخضع هذه الأشغال لضوابط قانونية واضحة تضمن احترام الكرامة الإنسانية، مع استثمار طاقة السجناء في مشاريع وطنية منتجة، كأشغال البنية التحتية أو التنظيف أو الزراعة.
مراجعة نظام العفو الرئاسي
يُعتبر العفو الرئاسي أداة دستورية ذات طابع استثنائي، يُمنح لأسباب إنسانية أو في مناسبات وطنية خاصة. غير أن التوسع في منحه لفئات من مرتكبي الجرائم الخطيرة قد يُفقد هذه الآلية هيبتها ويقوّض ثقة المجتمع في العدالة.
لذلك، من الضروري تقييد منح العفو الرئاسي وعدم شمول فئات معينة، لا سيما مرتكبي الجرائم العنيفة أو المنظمة، لضمان انسجامه مع مبدأ العدالة والردع.
نحو منظومة عقابية متوازنة
إن إصلاح السياسة العقابية لا يعني العودة إلى الأساليب القاسية، بل إيجاد توازن دقيق بين الردع واحترام حقوق الإنسان. ويمكن للدولة الجزائرية أن تستلهم من تجارب دولية ناجحة طبقت أنظمة “الأشغال العقابية المنتجة” التي ساهمت في خفض معدلات العود إلى الإجرام، مع الحفاظ على كرامة السجين وحق المجتمع في الأمن.
إن مواجهة الإجرام المتزايد تتطلب شجاعة تشريعية وإرادة سياسية لتعديل قانون العقوبات الجزائري، بحيث يصبح السجن وسيلة إصلاح وردع حقيقية. فـ الأمن العام ليس ترفًا، بل هو حق أساسي لكل مواطن. وإدراج الأشغال الشاقة وتقييد العفو الرئاسي هما خطوتان جادتان نحو عدالة فعالة ومنصفة.







